responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 274
إِذْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا جَمِيعًا، فَإِذَا وُصِفَ تَارَةً بِجَمِيعِهَا لَمْ يَكُنْ وَصْفُهُ تَارَةً أُخْرَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى مُسَاوَاةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِبَقِيَّتِهَا، فَإِذَا عُرِضَتْ لَنَا أَخْبَارٌ شَرْعِيَّةٌ جَمَعَتْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ فِي سِيَاقِ التَّحْذِيرِ أَوِ التَّحْرِيضِ لَمْ تَكُنْ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ حَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً وَمُقَوَّمَةً مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَإِنَّمَا يَحْتَجُّ مُحْتَجٌّ بِسِيَاقِ التَّفْرِقَةِ وَالنَّفْيِ أَوْ بِسِيَاقِ التَّعْلِيمِ وَالتَّبْيِينِ فَلَا يَنْبَغِي لِمُنْتَسِبٍ أَنْ يُجَازِفَ بِقَوْلِهِ سَخِيفَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ قِلَّةِ تَأَمُّلٍ وَإِحَاطَةٍ بِمَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ وَإِغْضَاءٍ عَنْ غَرَضِهَا وَيُؤَوِّلُ إِلَى تَكْفِيرِ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِقَاضِ الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بَلْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ نَظْرَةً مُحِيطَةً حَتَّى لَا يَكُونَ مِمَّنْ غَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءٌ وَحَضَرُهُ
شَيْءٌ، بَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ.
أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَفْوِ عَنِ الْعُصَاةِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِغَرَضِنَا وَلَيْسَتْ مِنْهُ، وَالْأَشَاعِرَةُ قَدْ تَوَسَّعُوا فِيهَا وَغَيْرُهُمْ ضَيَّقَهَا وَأَمْرُهَا مَوْكُولٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّ الَّذِي بَلَغَنَا مِنَ الشَّرْعِ هُوَ اعْتِبَارُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِلَّا لَكَانَ الزَّوَاجِرُ كَضَرْبٍ فِي بَارِدِ الْحَدِيدِ وَإِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ فِيهَا هُوَ النَّظَرُ لِدَلِيلِ الْوُجُوبِ أَوِ الْجَوَازِ عَلِمْتُمْ خُرُوجَ الْخِلَافِ فِيهَا مِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ وَلَا عَجَبَ أَعْجَبَ مِنْ مُرُورِ الْأَزْمَانِ عَلَى مِثْلِ قَوْلَةِ الْخَوَارِجِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَلَا يَنْبَرِي مِنْ حُذَّاقِ عُلَمَائِهِمْ مَنْ يُهَذِّبُ الْمُرَادَ أَوْ يُؤَوِّلُ قَوْلَ قُدَمَائِهِ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ الْمُعْتَادَ، وَكَأَنِّي بِوَمِيضِ فَطِنَةِ نُبَهَائِهِمْ أَخَذَ يَلُوحُ مِنْ خلل الرماد.
[9]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
جُمْلَةُ: يُخادِعُونَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ: يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: 8] وَمَا مَعَهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُخَادَعَةِ. وَالْخِدَاعُ مَصْدَرُ خَادَعَ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى مُفَاعَلَةِ الْخَدْعِ، وَالْخَدْعُ هُوَ فِعْلٌ أَوْ قَوْلٌ مَعَهُ مَا يُوهِمُ أَنَّ فَاعِلَهُ يُرِيدُ بِمَدْلُولِهِ نَفْعَ غَيْرِهِ وَهُوَ إِنَّمَا يُرِيدُ خِلَافَ ذَلِكَ وَيَتَكَلَّفُ تَرْوِيجَهُ عَلَى غَيْرِهِ لِيُغَيِّرَهُ عَنْ حَالَةٍ هُوَ فِيهَا أَوْ يَصْرِفَهُ عَنْ أَمْرٍ يُوشِكُ أَنْ يَفْعَلَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: خَدَعَ الضَّبُّ إِذَا أَوْهَمَ حَارِشَهُ أَنَّهُ يُحَاوِلُ الْخُرُوجَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي أَدْخَلَ فِيهَا الْحَارِشُ يَدَهُ حَتَّى لَا يَرْقُبَهُ الْحَارِشُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ آخِذُهُ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ يَخْرُجُ الضَّبُّ مِنَ النَّافِقَاءِ.
وَالْخِدَاعُ فِعْلٌ مَذْمُومٌ إِلَّا فِي الْحَرْبِ وَالِانْخِدَاعُ تَمْشِي حِيلَةُ الْمُخَادِعِ عَلَى الْمَخْدُوعِ وَهُوَ مَذْمُومٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنَ الْبَلَهِ وَأَمَّا إِظْهَارُ الِانْخِدَاعِ مَعَ التَّفَطُّنِ لِلْحِيلَةِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُضِرَّةٍ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست